سورة العنكبوت - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


المعنى ييسر من يشاء لأعمال من حق عليه العذاب وييسر من يشاء لأعمال من سبقت له الرحمة فيتعلق الثواب والعقاب بالاكتساب المقترن الاختراع الذي لله تعالى في أعمال العبد، ثم أخبر أن إليه المنقلب وأن البشر ليس بمعجز ولا مفلت {في الأرض ولا في السماء}، ويحتمل أن يريد ب {السماء} الهواء علواً أي ليس للإنسان حيلة صعد أو نزل حكى نحوه الزهراوي ويحتمل أن يريد {السماء} المعروفة أي لستم {بمعجزين في الأرض ولا} ولو كنتم {في السماء}، وقال ابن زيد معناه ولا من في السماء معجز إن عصى ونظروه على هذا بقول حسان بن ثابت: [الوافر]
أمن يهجو رسول الله منا *** ويمدحه وينصره سواء
والتأويل الأوسط أحسنها.
ونحوه قول الأعشى: [الطويل]
ولو كنت في جب ثمانين قامة *** ولقيت أسباب السماء بسلم
ليعتورنك القول حتى تهزه *** وتعلم أني لست عنك بمحرم
و الولي أخص من النصير، وقرأ يحيى بن الحارث وابن القعقاع {ييسوا} من غير همز، قال قتادة ذم الله تعالى قوماً هانوا عليه فقال {أولئك يئسوا من رحمتي}.
قال القاضي أبو محمد: وما تقدم من قوله تعالى {أو لم يروا كيف} [العنكبوت: 19] إلى هذه الآية المستأنفة، يحتمل أن يكون خطاباً لمحمد ويكون اعتراضاً في قصة إبراهيم، ويحتمل أن يكون خطاباً لإبراهيم ومحاورة لقومه، وعند آخر ذلك ذكر جواب قومه.


قرأ الجمهور {جوابَ} بالنصب، وقرأ الحسن {جوابُ} بالرفع، وكذلك قرأ سالم الأفطس، وأخبر الله تعالى عنهم أنهم لما بين إبراهيم الحجج وأوضح أمر الدين رجعوا معه إلى الغلبة والقهر والغشم وعدوا عن طريق الاحتجاج حين لم يكن لهم قبل به فتآمروا في قتله أو تحريقه بالنار، وأنفذوا أمر تحريقه حسبما قد اقتص في غير هذا الموضع، وأنجاه الله تعالى من نارهم بأن جعلها عليه برداً وسلاماً، قال كعب الأحبار: ولم تحرق النار إلا الحبل الذي أوثقوه به، وجعل ذلك آية وعبرة ودليلاً وحدانيته لمن شرح صدره ويسره للإيمان أي هذا الصنف ينتفع بالآية والكفار هي عليهم عمى وإن كانت في نفسها آية للكل، ثم ذكر تعالى أن إبراهيم عليه السلام قررهم على أن اتخاذهم الأوثان والأنصاب إنما كان اتباعاً من بعضهم لبعض وحفظاً لموداتهم ومحباتهم الدنياوية، وأنهم يوم القيامة يجحد بعضهم بعضاً ويتلاعنون لأن توادهم كان على غير تقوى، والأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين، وقرأ عاصم في رواية الأعمش عن أبي بكر عنه {مودةٌ} بالرفع {بينَكم} بالنصب وهي قراءة الحسن وأبي حيوة.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير والكسائي في رواية المفضل {مودةُ} بترك التنوين والرفع {بينِكم} بالخفض، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو في رواية أبي زيد {مودةً بينَكم} بالتنوين والنصب ونصب بين، وقرأ حمزة {مودةَ} بالنصب وترك التنوين والإضافة إلى بين، فأما قراءتا الرفع في {مودة} فوجههما أن يكون ما بمعنى الذي وفي قوله {اتخذتم} ضمير عائد على الذي، وهذا الضمير هو مفعول أول ل {اتخذتم}، و{أوثاناً} مفعول ثان، و{مودة} خبر إن في قراءة من نونها، وفي قراءة من لم ينونها ويجوز أن تكون ما كافة ولا يكون في قوله {اتخذتم} ضمير ويكون قوله {أوثاناً} مفعولاً لقوله {اتخذتم} ثم يقتصر عليه، ويقدر الثاني آلهة أو نحوه، كما يقدر قوله تعالى {إن الذين اتخذوا العجل} [الأعراف: 152] أي إلهاً {سينالهم غضب} [الأعراف: 152]، ويكون قوله مودةٌ خبر ابتداء تقديره هو مودة وفي هذه التأويلات مجاز واتساع في تسمية الأوثان مودة أو يكون ذلك على حذف مضاف، وأما من نصب مودة فعلى أن ما كافة وعلى خلو {اتخذتم} من الضمير والاقتصار على المفعول الواحد كما تقدم ويكون نصب المودة على المفعول من أجله، ومن أضاف المودة إلى البين في القراءتين بالنصب والرفع تجوز في ذلك وأجرى الظرف مجرى الأسماء، ومن نصب {بينَكم} في قراءتي الرفع والنصب في {مودة} فكذلك يحتمل أن ينتصب انتصاب الظروف ويكون معلقاً ب {مودة} وكذلك {في الحياة الدنيا} ظرف أيضاً متعلق ب {مودة} وهو مصدر عمل في ظرفين من حيث افترقا بالمكان والزمان ولو كانا لواحد منهما لم يجز ذلك، تقول رأيت زيداً أمس في السوق ولا تقول رأيت زيداً أمس البارحة اللهم إلا أن يكون أحد الظرفين جزءاً للآخر، رأيت زيداً أمس عشية، ويجوز أن ينتصب {بينكم} على أنه صفة ل {مودة} فهنا محذوف مقدر تقديره {مودة} ثابتة {بينكم}، وفي الظرف ضمير عائد على {مودة} لما حذفت ثابتة استقر الضمير في الظرف نفسه، وقوله {في الحياة الدنيا} ظرف في موضع الحال من الضمير الكائن في {بينكم} بعد حذف ثابتة فهذه الحال متعلقة ب {مودة} وجاز تعلقها بها، وهي قد وصفت لأن معنى الفعل فيها، وإن وصفت فلا يمتنع أن يعمل معنى الفعل إلا في المفعول، فأما في الظرف والحال فيعمل، قال مكي: ويجوز أن يكون {في الحياة} صفة ثابتة ل {مودة} ويكون فيها مقدر مستقر وفيها ضمير ثان عائد إلى {مودة} فالتقدير على هذا مودة ثابتة بينكم مستقرة في الحياة الدنيا. قال القاضي أبو محمد: ويصح أن يكون قوله {مودة} في قراءة من نصب مفعولاً ثانياً لقوله {اتخذتم} ويكون في ذلك اتساع فتأمله، وفي مصحف أبي بن كعب {مودة بينهم} بالهاء وفي مصحف ابن مسعود {إنما مودّة بينكم}.


{فآمن} معناه فصدق وهو فعل يتعدى بالباء وباللام والقائل {إني مهاجر} هو إبراهيم عليه السلام قاله قتادة والنخعي.
وقالت فرقة: هو لوط عليه السلام، ومما صح من القصص أن إبراهيم ولوطاً هاجرا من قريتهما كوثا وهي في سواد الكوفة من أرض بابل إلى بلاد الشام فلسطين وغيرها، وقال ابن جريج: إلى حران، ثم أمرا بعد إلى الشام وفي هذه الهجرة كانت سارة في صحبة إبراهيم واعتراهما أمر الملك، والمهاجر، النازع عن الأمر وهو في عرف الشريعة من ترك وطنه رغبة في رضى الله تعالى، وقد ذهب بهذا الأسم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الفتح، وقوله {العزيز الحكيم} مع الهجرة إليه، صفتان بليغتان يقتضي استحقاق التوكل عليه، وفي قوله {إلى ربي}، حذف مضاف كأنه يقول إلى رضى ربي أو نحو هذا، و{إسحاق} بن إبراهيم هو الذي بشر به في شيخه، وبشر ب {يعقوب} من ورائه فهو ولد إسحاق، {والكتاب} اسم الجنس أي جعل الله تعالى في ذرية إبراهيم جميع الكتب المنزلة التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، وعيسى عليه السلام من ذريته، وقوله {أجره في الدنيا}، يريد في حياته وبحيث أدرك ذلك وسر به، والأجر الذي آتاه الله هو العافية من النار ومن الملك الجائر والعمل الصالح والثناء الحسن قاله مجاهد، وأن كل أمة تتولاه، قاله ابن جريج، والولد الذي قرت به العين بحسب طاعة الله، قاله الحسن ثم أخبر عنه أنه في الآخرة في عداد الصالحين الذين نالوا رضى الله وفازوا برحمته وكرامته العليا، وقوله تعالى {ولوطاً} نصب بفعل مضمر تقديره واذكر لوطاً، و{الفاحشة} إتيان الرجال في الأدبار وهي معصية ابتدعها قوم لوط.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8